الجمعة، 30 يناير 2009

الدنيا ... تلاهى



شتاء غريبة ليست ككل الأشتيه . دائما كان يكفيني معطفي الجلدي كي أشعر بالدفء . لا أذكر أنني يوما قربت المدفأة ..
لكن هذه الشتاء أحس لها صقيعا في القلب .. رغم أنى على مقربة شديدة من المدفأة .
ربما لأني بلغت سن كبيرة . لا..
بل لأني وحيدة . فقد رحل زوجي الذي كان يملأ الدنيا من حولي ضياء .
فرغم نضارته التي ظل محافظا عليها ، رغم مرضى لم يشعرني يوما إنني انتهيت .
أذكره الآن .. قادما إلي بعد أن روى زهور حديقة منزلنا الصغير ، يحمل بيديه تلك الزهرة الحمراء اللون . حبيبتي وردتك التي تحبينها .. يمسك بيداى بعد أن عرقت .. يلامس بها وجنتيه .. يقبلها .. يضمني إليه ..
آآآه ذهب ، أخذ معه أخر قلب في هذه الدنيا كان يكترث لي .
فها هم أولادي .. رحل كل منهم إلى مملكته الصغيرة ..
لم يعد أحدا منهم يذكر أن له أما يأويها بيت ناء على أطراف المدينة .
إذا استفسرت لما لا تأتون لترو والدتكم العجوز ؟! .. لا ينطق أحدهم مخادعا لي ، يقول يا أمي كنا سنأتي البارحة لكن ثمة شئ عطل مجيئنا .. بل يقولون يا أمي هي الدنيا .. تلاهى ..
هيه ..معهم حق . نحن نربى ..نكبر .. نعلم .. نزوج .. بعد ذلك ننسى ، كأن دورنا في الحياة قد انتهى عند هذا الحد .
آآآه يا عمري لكم أنت أطول من السنة الضوئية! .. تمر ثوانيك كسنونك .. لا تنتهي ..
فقد هرمت حتى أصبحت مهملة .. لم يعد من أحد يذكرني حتى قطتي العجوز .. قد سئمت منى هي الأخرى ، أنا مللتها أيضا ..
ممللت كل شئ . فماذا لي بعد ذلك يا ربي ؟! ..
و فجأة إذا بصوت قرع على الباب يعلو شئ بعد شئ . انتظر قليلا يا من بالباب .. فما من أحد غيري بالمنزل ، قد أخشنت مفاصلي فمن أين بسهولة الحركة ..
ببطء ذهبت لأري من بالباب ، قد جالت برأسي الظنون .. ربما سميه و زوجها جاءوا ليروني .. بل ربما أحمد و أطفاله .. لا بل هي مريم إبنتى الجامعية جاءت لتقضى معي عطلة نهاية الأسبوع ، ما إن وصلت إلى الباب حتى فتحت .
فإذا بصوت يمنحني قطتي العجوز .. جسدها يرتعد من شدة الصقيع .
- مستفسرا أهذه القطة لكم يا سيدتي ؟! ..
- نعم يا بنى .
- وجدتها في الصقيع بالخارج .
أخذتها منه ،دلفت .. فوضعتها بجانب المدفاءة كي يستعيد جسدها المتصلب الحياة من جديد . ثم أخذت أنظر إليها و الحسرة تجتاح قلبي الهش ثم قلت لنفسي حتى أنت يا قطتي أردت أن تهربي إلى تلاهى الدنيا .
بقلم /رباب السنهوري